خلال مرورنا بمختلف المناطق، كانت كل منطقة تتميز برائحة ونكهة مختلفة عن الأخرى. فأثناء تخييمنا في اليوم الأول في شاطئ بلاج الجزائر، كانت رائحة البحر وصوت البحر يحيطان بنا. في صباح اليوم الثالث، كنا في جزيرة سترة، انطلقنا في المشي بدءً من المنطقة الصناعية التي كانت تضج بأصوات طرق المعادن والآليات الثقيلة، كانت بداية مزعجة نوعاً ما. ومع وصولنا بالقرب من المنطقة السكنية في قرية الخارجية بجزيرة سترة، قادتنا رائحة الخبز الساخن إلى المخبز، لنتوقف ونطلب منه إعداد “خبز جبن دبل” وهي إحدى الوجبات المحببة لنا كونها خفيفة وسريعة الإعداد.
[ملاحظة: هذه التدوينة هي الجزء الثالث من رحلة المشي حول البحرين. لقراءة الجزء الأول إضغط هنا].
تمتاز القرى البحرينية بترابط الأواصر الاجتماعية، فترى جميع من في القرية يعرفون بعضهم البعض، ونظراً لملابسنا الرياضية والحقائب التي كنا نحملها خلال رحلة المشي، فقد اجتذبنا نظرات السكان هناك. كان هدفنا الوصول إلى سوق السمك، فلقد سمعنا الكثير عنه سابقاً لكن لم يسبق لنا الذهاب هناك. في منتصف الطريق باتجاه سوق السمك، توقفنا للراحة في أحد الأزقة، جلوسنا على الأرض اجتذب أحد سائقي الباصات الصغيرة، فأشفق لحالنا واقترب منا ليوجه سؤاله لنا بلكنة أهل القرية “وش فيكم شكله طاردينكم من البيت !؟” والتي تعني “ماذا بكم، هل قام أهلكم بطردكم من منزلكم!؟”. فدعانا لمرافقته في الباص وإيصالنا إلى حيث نشاء. فقلنا له إننا متوجهون لسوق السمك وهو بالقرب من هنا، لكن مع إصراره الشديد ركبنا معه الباص وقمنا بتوضيح ما نقوم به حاليا وسبب جلوسنا هنا! أثارت الفكرة إعجابه فانطلق بنا في جولة حول مختلف أنحاء جزيرة سترة، مررنا بالقرب من المزرعة التي يرتادها، ومن ثم ميناء الصيادين ومع العديد من الأحاديث والقصص حول ذكرياته في القرية ليوصلنا بعدها بعدها إلى سوق السمك.
عند مدخل السوق يجلس مجموعة من الأشخاص يقومون بتنظيف السمك وتقطيعه حسب رغبة الزبائن، كانوا يعملون بسرعة ملفتة جداً في إزالة الحراشف والزوائد الغير مرغوبة. هذا العمل لا أعتبره سهلاً أبداً، فهم يتلقون مقابل تنظيف كيلوغرام واحد من الأسماك، ٣٠٠ فلس بحريني فقط (أي ما يعادل ٠.٨ دولار أمريكي)، وقد فاجأني أحدهم عندما أخبرنا أنه يزاول هذه المهنة منذ ٣٥ عام، عندما كان يبلغ من العمر ١٠ أعوام فقط! كان يستقبل زبائنه بابتسامة وحيوية، يمازحهم ويسأل عن أحوالهم. استمتعنا كثيرا بالحديث معهم بينما كانت أيديهم لا تتوقف عن العمل تتناول السمكة تلو الأخرى.
اتجهنا لداخل السوق، وقد جاء أحد الصيادين يحمل سطلاً ثقيلاً مملوءً بالماء، تراجع الجميع وعندما أفرغ السطل، كانت أسماك الهامور تتطاير ولا تزال تنبض بالحياة … بالفعل، من هنا تحصل على السمك الطازج! كان السوق يعج بالحياة، الزبائن من مختلف مناطق البحرين، كما أن السوق يحتوي على مختلف أنواع الأسماك، القرديس “الربيان”. في القسم الآخر من السوق، تباع الخضروات والفواكه، وفي المنتصف بين القسمين، يجتمع بعض كبار السن، توقفنا للحديث معهم والتقاط بعض الصور التذكارية. وكان لابد لنا من تناول السمك في وجبة الغذاء باعتبار أننا في جزيرة يمتهن أهلها صيد السمك ويفضلونه كوجبة رئيسية لهم.
من جزيرة سترة، اتجهنا إلى المنامة عبد الجسر الذي يربط المنطقة بالجزيرة الأم، مررنا خلالها بكورنيش سترة الذي يمتد إلى نصف مسافة الجسر، وعلى طول الطريق كان بإمكاننا مشاهدة طيور الفلامنجو وأنواع أخرى من الطيور. مررنا بمنطقة أم الحصم، العدلية، ثم الجفير، ومن هناك كنا نمشي بمحاذاة الطريق العام المؤدي لجزيرة سترة. أنهكني التعب تماماً، لكن زوجي حسين كان يشجعني على طول الطريق “يلا مريم ما باقي شي”، لم يتبقى إلا القليل لنصل إلى نقطة التخييم لهذه الليلة.
لدى مرورنا بجانب متحف البحرين الوطني، توقفت لنا إحدى السيدات وطلبت منا الصعود لسيارتها لإيصالنا لوجهتنا، لم نرفض طلبها على الإطلاق! السيدة مرام تعمل في المركز الاقليمي العربي للتراث العالمي، ومن محاسن الصدف الالتقاء والتعرف عليها، سعدنا جداً بالتحدث معها. أوصلتنا مرام لمدخل السوق الشعبي في المحرق، قمنا بأخذ جولة سريعة في أنحاء السوق، لنتجه بعدها إلى حديقة الغوص حيث نصبنا خيمتنا الصغيرة، وحضرنا الشاي لنستقبل من حضر للاستمتاع معنا،، قضينا ليلة أخرى سعيدة مع الأصدقاء استحضرنا فيها القصص والمواقف الجميلة التي مررنا بها.
لا تنسوا مشاهدة صور الرحلة من خلال حسابنا في الانستغرام باستخدام الوسم #WalkBahrain